عدنان بن عبد الله القطان

15 جمادى الأولى 1444 هـ – 9 ديسمبر 2022 م

———————————————————————–

الحمد لله الذي تفرّد بالبقاء والكمال، وقسم بين عباده الأرزاق والآجال، وجعلهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا، وحكاماً ومحكومين ليتناصفوا، وبعث الرسل مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، وختمهم بخيرته من خليقته، ونشهد أن لا إله إلا الله على الإطلاق، ونشهد أنّ نبينا محمداً عبده ورسوله، المبعوث إلى أهل الآفاق، المنعوت بتهذيب الأخلاق، ومكارم الأعراق، صلى الله وسلم وبارك عليه وسلم وعلى آله وصحبه صلاة وسلاماً متعاقبين إلى يوم التلاق.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد وصآكم الله تبارك وتعالى بالألفة والأخوة والمحبة ونهاكم عن البغضاء والعداوة والقطيعة، واعلموا أن الشيطان لا يريد بكم خيراً، بل هو ساعٍ في التحريش بينكم، قال الله تعالى آمِراً عباده بانتقاء القول الحسن، والكلام اللطيف، والأسلوب الرفيق بعضهم مع بعض؛ لأن الشيطان يدخل بينهم على وجه الإفساد وتقسية القلوب: قال تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) وليس الحسن فقط بل الأحسن، ثم حذَّر من كيد عدوهم المفسِد ذات بينِهم، فقال: (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) والنَّزْغُ هو الإلقاء الخفي للشر في القلوب، ثم ذكر حاله الدائم مع المؤمنين: (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّاً مُبِيناً) أي: ظاهر العداوة، قديم الكيد، ضاري الشر. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الشَّيْطانَ قدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، ولَكِنْ في التَّحْرِيشِ بيْنَهُمْ). والتحريش: هو الإفساد وتغيير قلوبهم وتقاطعهم، قال أهل العلم: والتحريش: الإغراء على الشيء بنوع من الخداع، وقد انتشر الآن تلبيسه في البلاد والعباد والمذاهب والأعمال، فعلى العبد أن يقف عند كل همٍّ يخطُر له ليعلم أنه لَمَّةُ مَلَكٍ أو لَمَّة شيطان، وأن يُمضِيَ النظر فيه بنور البصيرة والهدى، لا بهوًى من الطبع: يقول تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) وبالجملة، فمائدة الشيطان هي التحريش، وإثارة نَعَرَات الفرقة بين المسلمين، وطعامه دينهم وأعراضهم ودماؤهم، والموفَّق مَن كان حريصاً على أُلْفَتِهم واجتماعهم، والمخذول المشؤوم من أوقد مراجل فرقتهم، ونَبَشَ أسباب شرهم ونشرها، والله المستعان.

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن أسباب الشحناء بين المسلمين: الغضبُ، قال جعفر بن محمد رحمه الله: (الغضب مفتاح كل شر) وصدق رحمه الله؛ فالغضب شعبة من الجنون، وأنقص ما يكون عقل المرء إذا غضِب، ويوشك عدوه الرجيم أن يظفرَ به في ساعةِ غضب ما يهدم سنوات خير كان يعمُرها. وقال بعض السلف: (أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، إذَا غَضِبَ). واعلم أن لتسكين الغضب إذا هجم على الإنسان أسباباً يُستعان بها على الحِلم؛ منها: أن يذكر الله عز وجل فيدعوه ذلك إلى الخوف منه، ويبعثه الخوف منه على الطاعة له، فيرجع إلى أدبه ويأخذ بندبه، فعند ذلك يزول الغضب؛ قال الله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) قال عكرمة رحمه الله: (يعني: إذا غضبت). وقد وصَّى صلى الله عليه وسلم باجتناب موجبات الغضب، وبكظم الغيظ عند استفحاله؛ فقد صح في الحديث أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، قل لي قولاً وأقلِلْ عليَّ؛ لعلِّي أعقِله، قال: (لا تغضب)، فأعاد عليه مراراً كل ذلك يقول: (لا تغضب). فهذا الرجل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيَه وصية وجيزة جامعة لخصال الخير ليحفظها عنه؛ خشية ألَّا يحفظها لكثرتها، ووصَّاه النبي ألا يغضب، ثم ردد هذه المسألة عليه مراراً والنبي صلى الله عليه وسلم يردد عليه هذا الجواب، فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرز منه جماع الخير. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر مَن غضِبَ بتعاطي أسباب تدفع عنه الغضب وتسكنه، ويمدح من مَلَكَ نفسه عند غضبه؛ ففي الصحيحين عن سليمان بن صرد رضي الله عنه قال: كُنْتُ جَالِساً مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ورَجُلَانِ يَسْتَبَّانِ، فأحَدُهُما احْمَرَّ وجْهُهُ، وانْتَفَخَتْ أوْدَاجُهُ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لو قالَهَا ذَهَبَ عنْه ما يَجِدُ، لو قالَ: أعُوذُ باللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ، ذَهَبَ عنْه ما يَجِدُ) ومن غضب فليسكت، وما أحسن قول مورق العجلي رحمه الله: ما امتلأت غضباً قط، ولا تكلمت في غضب قط، بما أندم عليه إذا رضيت… والوضوء عباد الله نافع عند الغضب؛ قال صلى الله عليه وسلم: إنَّ الغضبَ من الشيطانِ وإنَّ الشيطانَ خُلقَ من النَّارِ وإنَّما تُطفأُ النَّارُ بالماءِ فإذا غضب أحدُكم فليتوضأْ) وقال صلى الله عليه وسلم لأصحابه (ما تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟ قالَوا الَّذي لا يَصْرَعُهُ الرِّجالُ، قالَ: ليْسَ بذلكَ، ولَكِنَّهُ الَّذي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ). وكظم الغيظ فضيلة يحبها الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: (ما من جَرْعَةٍ أعظم أجراً عند الله مِن جَرْعَةِ غَيْظٍ كظمها عبد ابتغاء وجه الله)

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن أسباب الشحناء: النميمة بين المؤمنين، ويكفي من شؤمها تحريم الجنة على صاحبها؛ قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة نمَّام)  وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: مرَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على قبرينِ فقال: إنَّهما ليُعذَّبانِ وما يُعذَّبانِ في كبيرٍ ثمَّ قال: بلى أمَّا أحدُهما فكان يسعى بالنَّميمةِ، وأمَّا الآخَرُ فكان لا يستنزِهُ مِن بولِه، ثمَّ أخَذ عوداً فكسَره باثنينِ ثمَّ غرَز كلَّ واحدٍ منهما على قبرٍ ثمَّ قال: لعلَّه يُخفَّفُ عنهما العذابُ ما لم ييبَسا) ومن أسباب الشحناء: الحسد وهو آكل الحسنات، قال بعض أهل العلم: ولقد تأملت سيئ الأخلاق فما رأيت أشأم من خَصْلَتِيِ الكبر والحسد، ثم تأملتها في القرآن فوجدتهما سبب إبلاس إبليس في الشر، وارتكاسه في الخذلان، ووقوعه في اللعنة والرجم، قال صلى الله عليه وسلم: دبَّ إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبَغْضَاء، هي الحالقة، أما إني لا أقول: تحلق الشِّعر، ولكن تحلق الدِّين، والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنَّة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أولا أدلُّكم علَى شيءٍ إذا فعلتُموهُ تحاببتُم أفشوا السَّلامَ بينَكم). ومن أسباب الشحناء: المراء والجدال؛ قال الإمام مالك بن أنس رحمه الله: (المراء يقسي القلوب، ويورث الضغائن). وتاركُهُ موعودٌ بقصر في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيمٌ ببيتِ في رَبَضِ الجنةِ لمَن تَرَكَ المِراءَ وإن كان مُحِقًّاً، وببيتِ في وسطِ الجنةِ لمَن تركَ الكذبَ وإن كان مازحاً، وببيتٍ في أعلى الجنةِ لمَن حَسُنَ خُلُقُه.) ومن أكثر ما يفرق بين الإخوان والقرابة والأصحاب المماراة، فيقول الأول شيئاً فيخالفه صاحبه، فيدلي كلٌّ بحجج تدعم مذهبه ورأيه، ثم يتعصب له وترتفع الأصوات، ثم يتحول محور الحديث لنقد ذات الشخص لا لقوله ورأيه، ثم تستحضر المواقف البعيدة والقريبة مع تلوينها بسوء الظنون وإظهارها بأقسى الألفاظ وأوحش التشبيهات، فتكون النهاية المؤسفة الفُرقة والقطيعة، والتسبب في عدم رفع الأعمال، مع حرمان بركة الاجتماع ورحمته. وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلَّا أوتوا الجدَلَ ثمَّ تلا هذهِ الآيةَ (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) واعلم أخي المسلم أختي المسلمة: أن المراء داء الفضلاء، فحتى أهل العلم والفضل لم يَسْلَموا من وَضَرِ تلك الضغينة النفسانية – ومرجعها الحسد – فترى في ردود بعضهم على بعض – مع أهميتها – انتصار ظاهر للنفس، وهضم قبيح لحقِّ أخيه، وإشاعة لعيبه الذي لا علاقة له بما رد عليه فيه، وتزيد وتكبر حيث يرتع راعيها في الحرام، ولو راجع الفقيه نفسه لرأى أنه منتصر لهواه لا لهداه، والله الحافظ الهادي المستعان.

أيها المؤمنون: ومن أسباب التشاحن: الهوى، والهوى يهوِي بصاحبه في الهاوية؛ قال تعالى: (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) وقال صلى الله عليه وسلم: ثلاثٌ مُهلِكاتٌ: شُحٌّ مُطاعٌ، وهَوًى مُتَّبَعٌ، وإِعجابُ المرْءِ بنفْسِهِ، وثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغِنى، والعدل في الغضب والرضا) فمن عصم من شر هواه، فقد عصم من الشر كله.

عباد الله: ومن أسباب التشاحن: البغي عند الخلاف، ولم يسلم من ذلك سوى أقل الناس، ومنها التعصب لغير الحق، سواء لمذهب أو قبيلة أو عائلة أو غير ذلك من دهاليز الهوى، وهي آفة سوداء في ثوب المؤمن، وهي تابعة للهوى، ودالة على ضعف التسليم لله ووهن الإسلام في القلب فالإسلام عقد على الاستسلام لله واتباع دينه جملة وتفصيلاً، وفي الساعة التي يولي المرء ظهره للحق، معنقاً في طول باطله، فقد أطلق بعض ما عقده من شُعَبِ الإيمان، وبحسب إطلاقه وحنثه وخلفه، يكون بعده وخِذلانه وخيبته. قال صلى الله عليه وسلم: (مَن قُتِلَ تَحْتَ رايَةٍ عِمِّيَّةٍ، يَدْعُو عَصَبِيَّةً، أوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً، فقِتْلَةٌ جاهِلِيَّةٌ). والعمية: الجهالة والضلالة؛ أي: فقتله قتلٌ جاهليٌّ. ومن نصب شخصاً – كائناً من كان – فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل، فهو مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً)

عباد الله: ومن أسباب الشحناء والبغضاء: سوء الظن، ومن هذا التَّنُّور انقدح شرر نيران العداوات بين كثير من عباد الله، والله تعالى قد ربَّانا ووعظنا بقوله الأعز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)  فنهى الله عباده عن كثير من الظن، وهو التهمة في غير محلها؛ لأن بعض ذلك يكون إثماً محضاً، فليجتنب كثيراً منه احتياطاً؛ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث) وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ولا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملًاً).  ومن ساء عمله ساء ظنه، فهو يرى غيره بعين طبعه لا عين إنصافه.

 

إِذا ساءَ فِعلُ المَرءِ ساءَت ظُنونُهُ

                                         وَصَدَّقَ ما يَعتادُهُ مِن تَوَهُّمِ

وَعادى مُحِبّيهِ بِقَولِ عُداتِهِ

                                      وَأَصبَحَ في لَيلٍ مِنَ الشَكِّ مُظلِمِ

اللَّهمَّ اهدنا لأحسنِ الأخلاقِ والأعمال لا يَهدي لأحسنِها إلَّا أنتَ، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها الإ أنت، اللهم كما حسنت خلقنا فحسن أخلاقنا ياذا الجلال والإكرام.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله وليِّ الصّالحين، ونشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له إله الأوّلين والآخرين، ونشهد أنّ سيدنا ونبيّنا محمّداً عبده ورسوله سيّد الخلق أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه والتّابعين.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: ومن أسباب الشحناء بين المسلمين: التنافس على الدنيا، ولأن معيار الغنيمة عند بعض مَن خُذلوا حطام فانٍ، فلا عجب – إذًاً – من تهالك الفَراش على نارها، فالقلوب غير المحفوظة بحب الله والدار الآخرة، هي كالفراش التائه حول ضرام النار الموقدة، والله المستعان. قال صلى الله عليه وسلم: إذا فُتِحَتْ علَيْكُم فارِسُ والرُّومُ، أيُّ قَوْمٍ أنتُمْ؟ قيل: نكون كما أمَرَنا اللَّهُ، فقالَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أوْ غيرَ ذلكَ، تَتَنافَسُونَ، ثُمَّ تَتَحاسَدُونَ، ثُمَّ تَتَدابَرُونَ، ثُمَّ تَتَباغَضُونَ، أوْ نَحْوَ ذلكَ، ثُمَّ تَنْطَلِقُونَ في مَساكِينِ المُهاجِرِينَ، فَتَجْعَلُونَ بَعْضَهُمْ علَى رِقابِ بَعْضٍ) إنها الدنيا؛ الحطام الفاني، والحظ الزائل، حلالها حساب، وحرامها عقاب، من تركها تبعته، ومن تبعها تركته، فتنة لكل مفتون وعون على طاعة الله لكل موفق منيب.

عباد الله: ومن أسباب الشحناء بين المسلمين: حب الرئاسة، وحب الرئاسة من فروع حب الدنيا، وهو آخر ما يسقط من رؤوس الصديقين، فترى الرجل من أزهد الناس في المال والمتاع حتى إذا هَزْهَزَهُ منصب أو رئاسة، تهالك على تحصيله، ونَسِيَ ما كان يُوعَظ به، والله المستعان. قال الفضيل بن عياض رحمه الله: (ما من أحد أحب الرئاسة إلا حسد وبغى وتتبع عيوب الناس، وكره أن يذكر أحدٌ بخير).

أيها المسلمون: ومن أسباب الشحناء بين المسلمين: اختلاف الصفوف في الصلاة؛ يقول رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ)

فتأمل يا عبد الله شؤم المخالفة في الصف بالوعيد بأن يختلفوا في وجوههم ويتعادَوا.

ومن الأسباب: كثرة المزاح، والمزاح لا بأس به على الندرة، أو في المرة تلو المرة، بحيث لا يكون طبعاً معتاداً، ولا يكون كذباً ولا مشتملاً على محرم ولا أذًى؛ وقد كان صلى الله عليه وسلم يفتكه مع أصحابه ويداعبهم ويمازحهم، لكنه لا يقول إلا حقًّاً وصدقًاً، وبإدخال السرور والفرح بلا أذية، وكم من كلمة أراد بها صاحبها المفاكهة والممازحة نتجت خلافاً وحرباً وقتلاً، والعاقل من اتعظ بغيره. وبالجملة، فالمزاح لا بد أن يكون بقدر، وأن تُحفَظ له آدابه وأوقاته وأشخاصه، فليس كل وقت يصلح له، ولا كل شخص يتقبله، ولا كل حال يكون مناسباً له، وبالله التوفيق.

عباد الله: ومن أسباب التشاحن: المعصية، وشؤم الذنوب لا حد له، ومن هتك ستر محارم الله، فهو حريٌّ بنقص معية ربه له بحفظه وعنايته وتيسير الخير له، ومن الثمار المرة للمعصية الجفوة في قلوب العباد للعاصي، حتى وإن لم يعلموا معصيته، فيحسون بنوع نفرة منه، كذلك فالعاصي قاسي القلب، فيركب المعصية غير مبالٍ بسوء العاقبة، فلا يرعى حرمة قطع رحمه أو هجْرِ مسلمٍ لدنيا، ولا يهمه تغليظ الوعيد على من فعل ذلك.

كذلك، فالمعاصي بذاتها سبب للتشاحن، ولو تأملت قضايا الشحناء بين الناس، لرأيت كثيراً منها كان شرره معصية، نسأل الله السلامة.

وما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة، ومن البلاء المشاحنة والخصومات بين المؤمنين؛ قال أحد السلف: والله إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق دابتي وخلق امرأتي؟

اللَّهُمَ حَبَّبْ إِلَيْنَا الْإِيمَانَ وَزَيِّنْهُ فِي قُلُوبِنَا، وَكَرِّهْ إِلَيْنَا الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَاجْعَلْنَا مِنَ الرَّاشِدِينَ، اللَّهمَّ إنِّا نسألكَ إيماناً لا يَرتد، ونَعيماً لا ينفد، ومرافقةَ نبيِّكَ محمَّدٍ صلَّى اللَّه عليهِ وسلَّمَ في أعلى جنَّةِ الخلدِ يا رب العالمين، اللهم يَا مقَلِّبَ الْقلوبِ ثَبِّتْ قَلْوبنا عَلَى دِينِكَ،

اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ونبيك محمد وعبادك الصالحون، ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ونبيك محمد وعبادك الصالحون.

اللَّهمَّ إِنِّا نسْأَلكَ الْجَنَّةَ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنعوذ بِكَ مِنَ النَّارِ وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنسْأَلكَ أَنْ تَجْعَلَ كلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَه لِنا خَيْراً يا رب العالمين.

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجأة نقمتك، وجميع سخطك.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس وأهل فلسطين والمسجد الأقصى، وأحفظ أهله، والمصلين فيه واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا وأغث قلوبنا بالإيمان والتقوى، وبلادنا بالأمطار والخيرات يارب العالمين.

ربَّنا تقبَّل منَّا إنك أنت السميعُ العليم، وتُب علينا إنك أنت التوابُ الرحيم، واغفِر لنا ولوالدِينا ووالدِيهم وجميعِ المُسلمين والمُسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميعٌ قريبٌ مُجيبُ الدعوات.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

       خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين